قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)

اشارة

نام كتاب: قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد( الحاشية على الكفاية)

موضوع: فقه استدلالى و قواعد فقهى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 1

ناشر: كتابفروشى انصاريان

تاريخ نشر: 1412 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: بهاء الدين حجتى بروجردى

تاريخ وفات مقرر: ه ق

محقق/ مصحح: غلام رضا مولانا بروجردى

ملاحظات: قاعدة لا ضرر از ص 332 در جلد دوم چاپ گرديده است

[المقصد السابع الأصول العملية]

[فصل أصالة الاحتياط]

[المقام الثاني في دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين]

[و ينبغي التنبيه على أمور]
الرابع:
اشارة

إنه لو علم بجزئية شي ء أو شرطيته في الجملة، و دار [الأمر] بين أن يكون جزءا أو شرطا مطلقا و لو في حال العجز عنه، و بين أن يكون جزءا أو شرطا في خصوص حال التمكن منه، فيسقط الأمر بالعجز عنه على الأول، لعدم القدرة حينئذ على المأمور به، لا على الثاني فيبقى متعلقا بالباقي، و لم يكن هناك ما يعين أحد الأمرين، من إطلاق دليل اعتباره جزءا أو شرطا، أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله، لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي، فإن العقاب على تركه بلا بيان و المؤاخذة عليه بلا برهان.

لا يقال: نعم و لكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلا في حال التمكن منه.

فإنه يقال: إنه لا مجال هاهنا لمثله، بداهة أنه ورد في مقام الامتنان،

______________________________

قوله: الرابع انّه لو علم بجزئيّة شي ء أو بشرطيّته في الجملة ... إلخ اعلم انّه لا شبهة في انّ العجز عن الجزء أو الشرط موجب لسقوط الأمر بالنسبة إلى ذاك الجزء، و انّما الكلام في انّ العجز عن جزء المركّب هل يوجب سقوط الأمر المتعلق بتمام المركّب أو لا،

و ذلك السقوط و عدمه دائر بين كون الجزء الكذائي أو الشرط جزء أو شرطا واقعيا مطلقا حتى في حال العجز عنهما فيوجب سقوط الأمر رأسا، و ذلك لأنّه يكون بمنزلة العجز عن تمام المركّب، فانّ العجز عن الجزء مع كونه جزء حتى في هذا الحال، عجز عن المركب بما هو مركب عنه و عن غيره، و بين كونهما جزء و شرطا حال التمكن فلا يوجب سقوط الأمر عن

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 307

فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته.

نعم ربما يقال: بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضا.

و لكنه لا يكاد يصح إلا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلّي، أو على المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب، و كان ما تعذر مما يسامح به عرفا، بحيث يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي، و ارتفاعه لو قيل بعدم وجوبه، و يأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام.

كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: (إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم) و قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) و قوله: (ما لا يدرك كله لا يترك كله) و دلالة الأول مبنية على كون كلمة (من) تبعيضية، لا بيانية، و لا بمعنى الباء، و ظهورها في التبعيض و إن كان مما لا يكاد يخفى، إلا أن كونه بحسب الأجزاء غير

______________________________

المركب، لأنّ المأمور به في حق العاجز عن جزء الأجزاء الاخر و هي على المفروض ممكنة له. هذا في مقام الثبوت، و امّا في مقام الإثبات

فان دلّ دليل و لو بإطلاقه على الجزئية أو الشرطية مطلقا و لو في حال العجز عنه، مثل «لا صلاة إلاّ بطهور» فانّه بإطلاقه يدلّ على شرطية الطهارة و لو في حال العجز عنها فيحكم بسقوط التكليف عن العاجز كما لا يخفى، و ان لم يدلّ دليل على ذلك، فان قام دليل على وجوب ساير الاجزاء في حق العاجز، مثلا إذا دلّ الدليل على وجوب الصلاة مطلقا، ثم قام دليل آخر يدلّ على جزئية شي ء أو شرطيته فيها في خصوص حال التمكن أو في الجملة، فانّه بإطلاق الأمر المتعلق بالصلاة يحكم بوجوب سائر الاجزاء في حق العاجز، و ان لم يقم دليل على ذلك كلّه

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 308

واضح، لاحتمال أن يكون بلحاظ الأفراد، و لو سلم فلا محيص عن أنه- ها هنا- بهذا اللحاظ يراد، حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به، فقد روي أنه خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقال: (إن اللّه كتب عليكم الحج، فقام عكاشة- و يروى سراقة بن مالك- فقال: في كل عام يا رسول اللّه؟ فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا، فقال: و يحك، و ما يؤمنك أن أقول: نعم، و اللّه لو قلت: نعم، لوجب، و لو وجب ما استطعتم، و لو تركتم لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، و إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، و اختلافهم إلى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عن شي ء فاجتنبوه).

______________________________

و شككنا في كون الجزء جزء حال العجز أيضا فمقتضى الأصل هو البراءة عن الباقي عقلا و

نقلا، لأنّ الشك في وجوب الباقي شك بدوي و العقل مستقلّ بالبراءة عنه فانّ العقاب على تركه بلا بيان و المؤاخذة عليه بلا برهان كما انّ حديث الرفع و أمثاله يشمله بلا كلام.

و ربما يقال: انّ قضيّة الاستصحاب وجوب الباقي في حال العجز أيضا، لأن وجوبه قبل العجز كان متيقنا و شك في ارتفاعه حال العجز و الأصل بقائه.

و لكنه مخدوش بأنه ان أريد بالمستصحب وجوب الكل فليس بصحيح لعدم بقاء الموضوع و لا يجري الاستصحاب مع عدمه، و ان أريد الوجوب الضمني أو الغيري فهو أيضا مرفوع قطعا فانّ سائر الاجزاء على فرض كونها مأمورا بها انّما تكون مأمورا بها بالأمر النفسيّ الاستقلالي و هو مشكوك الحديث فالامر الغيري مقطوع الارتفاع و النفسيّ مشكوك الحدوث.

اللهم إلاّ ان يقال بصحة القسم الثالث من استصحاب الكلي فيمكن استصحاب كلّي الوجوب الجامع بين المرفوع و الحادث، أو يقال بأنّ تعيين

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 309

و من ذلك ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضا، حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها، لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد العام بالمعسور منها.

هذا مضافا إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما، لعدم اختصاصه بالواجب، و لا مجال معه لتوهم دلالته على أنه بنحو اللزوم، إلا أن يكون المراد عدم سقوطه بما له من الحكم وجوبا كان أو ندبا، بسبب سقوطه عن المعسور، بأن يكون قضية الميسور كناية عن عدم سقوطه بحكمه، حيث إن الظاهر من مثله هو ذلك، كما أن الظاهر من مثل (لا ضرر و لا ضرار) هو نفي ما له من تكليف أو وضع، لا أنها

عبارة عن عدم سقوطه بنفسه و بقائه على عهدة المكلف كي لا يكون له دلالة

______________________________

الموضوع في الاستصحاب مبتن على المسامحة العرفيّة لا على الدقّة العقليّة، فيمكن القول ببقاء الوجوب النفسيّ المتعلّق بتمام الأجزاء بالنسبة إلى باقيها في حال العجز كما لا يخفى.

و استدلّ على وجوب باقي الاجزاء في حق العاجز بما لا يخلو عن الإشكال، كالاستدلال بعموم الرواية النبوية صلى الله عليه و آله «إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم» و عموم الحديث العلوي عليه السلام «الميسور لا يسقط بالمعسور» و عموم «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، و الوجه في دلالة النبويّ هو جعل الشي ء عبارة عن المركّب فأمر صلى اللّه عليه و آله و سلّم بإتيان ما يتمكن منه.

و فيه ما لا يخفى من ضعف السند من غير انجبار بعمل الأصحاب كما توهم، لأنّ عمل الأصحاب بما ينطبق مع مضمون الرواية لا يدلّ على انّ مستندهم في العمل هو تلك الرواية، بل انّما يكون مستندهم اخبار خاصة في موارد مخصوصة، و الشاهد على ذلك انّهم لم يعملوا في كلّ مورد يكون مشمولا لها كما لا يخفى، بل اقتصروا في مقام العمل بما ورد على حكمه خبر خاص و دليل

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 310

على جريان القاعدة في المستحبات على وجه، أو لا يكون له دلالة على وجوب الميسور في الواجبات على آخر، فافهم.

و أما الثالث، فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي، لا دلالة له إلا على رجحان الإتيان بباقي الفعل المأمور به- واجبا كان أو مستحبا- عند تعذر بعض أجزائه، لظهور الموصول فيما يعمهما، و ليس ظهور (لا يترك)

في الوجوب- لو سلم موجبا لتخصيصه بالواجب، لو لم يكن ظهوره في الأعم قرينة على إرادة خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من النفي، و كيف كان فليس ظاهرا في اللزوم هاهنا، و لو قيل بظهوره فيه في غير المقام.

______________________________

مخصوص.

و من ضعف الدلالة من وجوه:

الأوّل انه كما يحتمل ان يكون التبعيض بلحاظ الاجزاء يحتمل أيضا ان يكون بلحاظ الافراد.

الثاني انّه و ان سلّمنا دلالتها بلحاظ الاجزاء لو خلّيت و نفسها لكنه بملاحظة موردها لا محيص عن كونه بلحاظ الافراد حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد امره به.

الثالث انه لم يظهر منه انّه كان في مقام التشريع و التأسيس، بل يحتمل كونه في مقام الإرشاد و الموعظة و النصيحة، بل هذا الاحتمال أقوى من الأول، لأنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان في مقام ردع السائل عن تكرار الحج.

و اما رواية الميسور فهي أيضا مثل سابقها في ضعف السند و عدم الانجبار، و كذلك في الدلالة، فانه لم يعلم انّه ورد في مقام التشريع و تأسيس امر متعلّق بالاجزاء الميسورة، بل يمكن ان يكون في مقام الإرشاد و بيان امر عادي من العاديّات.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 311

ثم إنه حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفا، كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضا، لصدقه حقيقة عليه مع تعذره عرفا، كصدقه عليه كذلك مع تعذر الجزء في الجملة، و إن كان فاقد الشرط مباينا للواجد عقلا، و لأجل ذلك ربما لا يكون الباقي- الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها- موردا لها فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا، و إن كان

غير مباين للواجد عقلا.

نعم ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئته للعرف، و إن عدم العد كان لعدم الاطلاع على ما هو عليه الفاقد، من قيامه في هذا الحال بتمام ما قام عليه الواجد، أو بمعظمه في غير الحال، و إلا عدّ أنه ميسوره، كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك- أي للتخطئة- و أنه لا يقوم بشي ء من ذلك.

______________________________

مضافا إلى انّه على فرض دلالتها على المطلوب يلزم كثرة التخصيص المستهجن.

و اما رواية «ما لا يدرك» فهي أيضا كأختيها في ورود ما ورد عليهما، مضافا إلى انّ الإدراك انما يطلق بالإضافة إلى المنافع و المصالح و معلوم انّ إدراك المصلحة و المنفعة فرع ثبوتهما، فالترغيب بإدراك ما يمكن إدراكه من المصلحة انّما يتصور و يصحّ فيما كان له مراتب من المصلحة و لم يمكن إدراك تمامها فيأمر الشارع بإدراك مرتبة يمكن إدراكها مثل إدراك الكمالات، و الرواية بهذا المعنى لا تدلّ على ما نحن بصدده من وجوب ساير الاجزاء، و ذلك لأنّ ترتّب المصلحة عليها و كونها بهذا الاعتبار مأمورا بها أوّل الكلام كما لا يخفى، و بنفس هذا الحديث لا يمكن إحراز المصلحة فيها و انّها تكون مأمورا بها فانّها على ما ذكرناه آنفا انّما يكون في مقام الترغيب إلى إدراك ما يكون ترتّب المصلحة عليه محرزا من الخارج لا من نفس هذا الترغيب، هذا مضافا إلى إشكالات القوم عليها فراجع كلامهم، و افهم.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 312

و بالجملة: ما لم يكن دليل على الإخراج أو الإلحاق كان المرجع هو الإطلاق، و يستكشف منه أن الباقي قائم بما يكون المأمور

به قائما بتمامه، أو بمقدار يوجب إيجابه في الواجب و استحبابه في المستحب، و إذا قام دليل على أحدهما فيخرج أو يدرج تخطئة أو تخصيصا في الأول، و تشريكا في الحكم، من دون الاندراج في الموضوع في الثاني، فافهم.

تذنيب:

لا يخفى أنه إذا دار الأمر بين جزئية شي ء أو شرطيته، و بين مانعيته أو قاطعيته، لكان من قبيل المتباينين، و لا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين، لإمكان الاحتياط بإتيان العمل مرتين، مع ذاك الشي ء مرة و بدونه أخرى، كما هو أوضح من أن يخفى.

______________________________

قوله: تذنيب لا يخفى انّه إذا دار الأمر ... إلخ اعلم انّه إذا دار الأمر بين شرطيّة شي ء للمأمور به أو مانعيّته، أو بين جزئية شي ء و مانعيّته هل يقتضي الأصل البراءة أو التخيير أو الاحتياط فيه احتمالات، امّا البراءة فلا وجه لتوهم جريانها كما هو أوضح من ان يخفى، ضرورة ان مورد جريانها هو الشك في التكليف لا المكلّف به بعد العلم بنفس التكليف كما هو المفروض في المقام، فانّ المفروض هو العلم بأنّ الشي ء الكذائي امّا ان يكون مأمورا به أو منهيا عنه، و معه لا يجري البراءة قطعا.

و امّا التخيير فقد ذهب إليه الشيخ الأنصاري قدّس سرّه في أحد قوليه، و ملخّص ما أفاده في وجهه انّ الأمر في المقام دائر بين المحذورين و لا يمكن الموافقة القطعيّة و العقل بحكم بالتخيير بين الموافقة الاحتمالية في طرف الفعل أو الترك، لعدم خلو المكلّف عن أحدهما لا محالة، و لا مرجّح لأحدهما بالخصوص دون الآخر، و القول بإمكان الموافقة القطعيّة باعتبار إمكان تكرار العمل و الإتيان به تارة مع الجزء الكذائي و أخرى بدونه لا وجه له، لأنّه مستلزم

لفوات

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 313

..........

______________________________

ما يعتبر في العبادة من القصد التفصيليّ و الجزم بأنّ العمل مأمور به.

و لكن التحقيق هو انّ المقام مورد جريان الاحتياط، و ذلك لأنّ الأمر في المقام دائر بين المتباينين، لا الأقل و الأكثر حتّى يقال بالبراءة و لا المحذورين حتى يقال بالتخيير، لأنّ الأمر في المأمور به دائر بين كونه مشروطا بشرط الشي ء، و كونه مشروطا بشرط لا، و النسبة بينهما التباين، و مقتضى العلم الإجمالي هو الاحتياط بتكرار العمل.

و محذور فوات نيّة الجزم و القصد التفصيليّ مدفوع، أوّلا بعدم دليل على اعتبارها، و ثانيا بأنّ المحذور حاصل على كل حال سواء أقلنا بالتخيير أم بالاحتياط، لأنّ الواقع لا يصير معلوما تفصيليا لنا بواسطة حكم العقل بالتخيير، فانّ التخيير لا يكون شرعيا كشف عنه العقل، فافهم.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 315

خاتمة: في شرائط الأصول

أما الاحتياط:

فلا يعتبر في حسنه شي ء أصلا، بل يحسن على كل حال، إلا إذا كان موجبا لاختلال النظام، و لا تفاوت فيه بين المعاملات و العبادات مطلقا و لو كان موجبا للتكرار فيها، و توهم كون التكرار عبثا و لعبا بأمر المولى- و هو ينافي قصد الامتثال المعتبر في العبادة- فاسد، لوضوح أن التكرار ربما يكون بداع صحيح عقلائي، مع أنه لو لم يكن بهذا الداعي و كان أصل إتيانه بداعي أمر مولاه بلا داع له سواه لما ينافي قصد الامتثال، و إن كان لاغيا في كيفية امتثاله، فافهم.

______________________________

قوله: خاتمة في شرائط الأصول ... إلخ ذهب بعض انّه لا بدّ في جريان كلّ واحد من الاحتياط و التخيير و البراءة من شرط

الفحص عن الدليل في العمل على طبقه، و لكن التحقيق في ذلك كما عليه جلّ المحققين انّه لا يعتبر في العمل على طبق الاحتياط و حسنه امر زائد على تحقق موضوعه و هو إحراز الواقع المشكوك بالإتيان بجميع ما يحتمل اعتباره في تحقّق الواقع و لو بتكرار العمل.

و توهم اعتبار الفحص في العمل بالاحتياط بتوهم اعتبار نيّة الوجه

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 316

بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على البراءة عن التكليف لئلا يقع فيما كان في مخالفته على تقدير ثبوته، من المفسدة و فوت المصلحة.

و أما البراءة العقلية:

فلا يجوز إجراؤها إلا بعد الفحص و اليأس عن الظفر بالحجة على التكليف، لما مرت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها إلا بعدهما.

و أما البراءة النقليّة:

اشارة

فقضية إطلاق أدلتها و إن كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها، كما هو حالها في الشبهات الموضوعية، إلا أنه استدل على اعتباره بالإجماع و بالعقل، فإنه لا مجال لها بدونه، حيث يعلم إجمالا بثبوت التكليف بين موارد الشبهات، بحيث لو تفحص عنه لظفر به.

______________________________

التفصيليّ في العبادات فيما يمكن الظفر بالحجة على الحكم، مدفوع أوّلا بعدم دليل على اعتباره، بل يمكن دعوى القطع على عدم اعتباره لاستكشاف ذلك من طريق القطع بعدم ورود دليل على اعتباره في الأخبار و الآثار، و لا يكون في البين إجماع محقّق و ان كان ادّعاه بعض، و يمكن ان يكون مدرك المدعي للإجماع فتواهم في بعض الفروع و استنباطه لذلك من فتاواهم، لا انّ هذا العنوان بخصوصه معقد إجماعهم.

و ثانيا انّ القصد و النيّة من شئون الإطاعة و الامتثال، و الحاكم فيها هو العقل لا الشرع، و العقل لا يعتبر في حصول الإطاعة أزيد من قصد امتثال امر المولى و لو رجاء.

و امّا البراءة فتارة يقع الكلام في شرط العمل على طبقها، و أخرى في آثارها بعد العمل بها من غير رعاية ما هو شرط في إعمالها و ثالثة في أحكامها بعد العمل بها كذلك.

اما الأوّل فلا شبهة في اشتراط الفحص عن الدليل و اليأس عن الظفر

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 317

و لا يخفى أن الإجماع هاهنا غير حاصل، و نقله لوهنه بلا طائل، فإن تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه سبيل صعب لو

لم يكن عادة بمستحيل، لقوة احتمال أن يكون المستند للجل لو لا الكل- هو ما ذكر من حكم العقل، و أن الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجز، إما لانحلال العلم الإجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال، أو لعدم الابتلاء إلا بما لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات، و لو لعدم الالتفات إليها.

فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات و الأخبار على وجوب التفقه و التعلم، و المؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم

______________________________

به، و ذلك بالإضافة إلى البراءة العقليّة أوضح من ان يخفى، ضرورة عدم استقلال العقل بالبراءة إلاّ بعدهما، لأنه مع احتمال البيان من الشرع و احتمال الظفر به لا يستقل العقل بمعذوريّة المكلّف على مخالفة الواقع لأنّ احتمالهما يرفع قبح العقاب.

و امّا بالإضافة إلى البراءة النقليّة فمع الغضّ عن قصور أدلّتها عن شمولها لمثل المقام، و مع تسليم إطلاقها مقيّدة بالإجماع، و العقل، و الآيات و الاخبار المستفيضة المقطوعة صدورها الدالة على وجوب التفقه و التعلم، مثل آية النفر، و مثل رواية عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة الا انّ اللّه يحبّ بغاة العلم» فانّه لا شبهة في تقديمها على أدلّة البراءة سندا و دلالة، و انها تكون مقيّدة لأدلّة البراءة و تكون بعمومها حجّة على وجوب الفحص عن أدلّة الأحكام و امّا التخيير العقلي فالكلام فيه الكلام في البراءة من لزوم الفحص و شرطيته في العمل على طبقه.

و امّا الكلام في آثار البراءة إذا عملنا بها قبل الفحص فلا

شبهة في

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 318

العلم، بقوله تعالى كما في الخبر: (هلا تعلمت) فيقيد بها أخبار البراءة، لقوة ظهورها في أن المؤاخذة و الاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم، لا بترك العمل فيما علم وجوبه و لو إجمالا، فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الأخبار على ما إذا علم إجمالا، فافهم.

و لا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضا بعين ما ذكر في البراءة، فلا تغفل.

و لا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة و الأحكام.

______________________________

استحقاق العقوبة على فرض مخالفة العمل بها للواقع عقلا و نقلا، و انّما الكلام في ان هذا الاستحقاق للعقوبة هل هو على مخالفة العمل للواقع أو على ترك التعلّم فيه و جهان، بل قولان مبنيّان على ما تدلّ عليه الآيات و الأخبار الآمرة بتحصيل العلم و التفقه في الدين من الوجوب النفسيّ كما التزم به الأردبيلي و صاحب المدارك على ما حكى و مال إليه المصنف قدّس اللّه أسرارهم، لما يأتي من الإشكال في المشروط و الموقّت على القول بعدم الوجوب، أو الوجوب الإرشادي فيكون الاستحقاق على مخالفة العمل للواقع إذا أدّى ترك التعلّم إليها.

و التحقيق في ذلك انّه و ان كان ظاهر بعضها الوجوب النفسيّ، لكنه لمّا كان الأخذ بظاهرها مستلزما لما لا يلتزم به أحد حتى القائل بالوجوب النفسيّ من كون الجاهل مستحقّا للعقابين في صورة مخالفة العمل للواقع بخلاف العالم التارك، مع انّه يمكن دعوى القطع بخلافه، فلا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها و حملها على الإرشاد، بل يمكن ان يقال: انّ هذا القطع منّا يكون بمنزلة قرينة متصلة توجب صرف

ظهورها.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 319

أما التبعة، فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما إذا كان ترك التعلم و الفحص مؤديا إليها، فإنها و إن كانت مغفولة حينها و بلا اختيار، إلا أنها منتهية إلى الاختيار، و هو كاف في صحة العقوبة، بل مجرد تركهما كاف في صحتها، و إن لم يكن مؤديا إلى المخالفة، مع احتماله، لأجل التجري و عدم المبالاة بها.

______________________________

مضافا إلى ما في بعض تلك الأدلّة من القرائن اللفظية الدالّة على خلاف الوجوب النفسيّ، مثل ما ورد في بعضها «العالم بلا عمل كالشجر بلا ثمر».

و القول بأنّ التعلّم واجب بالوجوب المقدمي أيضا لا وجه له، ضرورة عدم كون العلم مقدمة منحصرة يجب تحصيلها للعمل، لأنّ الاحتياط ممكن، فالتعلّم ليس بواجب أصلا لا بالوجوب النفسيّ و لا بالوجوب المقدّمي.

و امّا ما ذهب إليه بعض من القول بالوجوب النفسيّ لأجل التفصّي عن إشكال يرد على القول بعدم الوجوب النفسيّ في الواجب المشروط أو الموقت من انّ ترك التعلم قبل حصول الشرط و حضور الوقت بالإضافة إليهما و ان كان مؤدّيا إلى المخالفة إلاّ انّه لا مصحّح لاستحقاق العقوبة أصلا لا بالإضافة إلى ترك التعلم، و هو أوضح من ان يخفى، و ذلك لأنّ التعلم على فرض عدم وجوبه النفسيّ اما ان لا يكون واجبا أصلا كما استظهرناه من الاخبار، و امّا ان يكون واجبا مقدّميا غيريا، و على أيّ تقدير لا بأس بتركه، امّا الأول فواضح، و امّا على الثاني فلأنّ التكليف المتعلّق بالمشروط أو الموقّت قبل الشرط و الوقت لا يكون فعليّا حتى يتعلّق التكليف بمقدّماته، و لا بالإضافة إلى مخالفة العمل للواقع، لأنّ

المكلّف حين العمل يكون غافلا عن الواقع و لا يصح توجه التكليف إلى الغافل، و بالجملة لا يكون في البين تكليف فعليّ حتى يستحقّ العبد العقوبة على مخالفته، مع انّ مثل هذا العبد لا يخلو من الاستحقاق، فلا بدّ من الالتزام بالوجوب النفسيّ فيكون العقوبة على ترك التعلم.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 320

نعم يشكل في الواجب المشروط و المؤقت، لو أدى تركهما قبل الشرط و الوقت إلى المخالفة بعدهما، فضلا عما إذا لم يؤد إليها، حيث لا يكون حينئذ تكليف فعلي أصلا، لا قبلهما و هو واضح، و لا بعدهما و هو كذلك، لعدم التمكن منه بسبب الغفلة، و لذا التجأ المحقق الأردبيلي و صاحب المدارك (قدس سرهما) إلى الالتزام بوجوب التفقه و التعلم نفسيا تهيئيا، فتكون العقوبة على ترك التعلم نفسه لا على ما أدى إليه من المخالفة.

______________________________

فيمكن الجواب عنه بأنه ان كان التارك للتعلم قبل الشرط و الوقت ملتفتا و بعدهما مترددا فيجب عليه حينئذ طلب العلم للعمل، و على فرض الترك يستحق العقوبة بلا إشكال، و ان لم يكن كذلك بل كان غافلا فالحكم باستحقاق العقوبة على المخالفة لا على ترك التعلم لاستقلال العقل باستحقاق مثل هذا العبد العقوبة و حسن مؤاخذته، ضرورة انّه و ان كان بعد حصول الشرط و حضور الوقت غافلا، إلاّ انّ مثل تلك الغفلة مستندة إليه باعتبار كونه متمكنا من التعلم قبلهما، فيستند المخالفة إلى اختياره و لو بالواسطة، و هذا المقدار من الاختيار كاف في حسن المؤاخذة و الاستحقاق عند العقل، فانّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فلا وجه لكون هذا الإشكال منشأ للالتزام بالوجوب النفسيّ فافهم.

و يمكن

الذبّ عن الإشكال ببيان أو في، و هو انّ الخطابات الواقعيّة الّتي أنشئت مطلقة، من غير تقيّد بالعلم و الجهل و الالتفات و الغفلة لعدم معقولية التقيد بشي ء منها للزوم الدور، إلاّ انّها أنشئت ليعلم المكلّف بها فينبعث عنها، فان لم يطّلع عليها و كان عدم اطلاعه مستندا إلى امر خارج عن اختياره مثل ما إذا استفرغ الوسع في تحصيلها و لم يظفر بها أو كانت مغفولة عنها رأسا بحيث لم يلتفت إليها و لو في زمان أصلا، فلا شبهة في معذوريته عقلا و نقلا.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 321

فلا إشكال حينئذ في المشروط و المؤقت، و يسهل بذلك الأمر في غيرهما لو صعب على أحد، و لم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقوبة على ما كان فعلا مغفولا عنه و ليس بالاختيار، و لا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الإشكال إلا بذلك، أو الالتزام بكون المشروط أو المؤقت مطلقا معلقا، لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم، فيكون الإيجاب حاليّا، و إن كان الواجب استقباليا قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه، و لا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته.

______________________________

و امّا إذا كان عدم اطلاعه مستندا إلى نفسه بان كان متذكرا و لو في وقت من الأوقات، مطلقا سواء أ كان قبل حصول الشرط و حضور الوقت أم بعدهما، فانه حينئذ لا يكون معذورا في مخالفة الواقع و ان كان حين توجه الخطاب غافلا عنه.

فانّ غفلة الملتفت في زمان و لو قبل توجه الخطاب لا تكون مانعة عن استحقاق

العقاب على ترك الواقع عند العقل خصوصا بعد ورود تلك الاخبار الدالّة على انّ الشرع لا يرضى بترك الأحكام و لو بترك تعلّمها فانّه يكون طريقا إلى تنجّزها و ان كانت حين العمل مغفولا عنها.

و إن لم يكن كذلك، بل كانت غفلة مثل هذا الشخص مانعة عن التنجّز و عذرا في المخالفة فلما ذا لا تكون مانعة في الواجب المطلق مع انّ عدم معقوليّة توجّه الخطاب و فعليّة التكليف بالنسبة إلى الغافل على السواء، و كذا بالنسبة إلى الجاهل المقصّر، مع انّ هذا المستشكل لم يلتزم بمعذورية الغافل في الواجب المطلق، و لا معذورية الجاهل المقصر.

و بالجملة تلك الاخبار و الآيات تكون حجّة و طريقا إلى انّه صدرت أحكام لا بدّ من امتثالها مطلقا، مطلقة كانت أو مشروطة، فتصير الأحكام بمعونة

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 322

و أما لو قيل بعدم الإيجاب إلا بعد الشرط و الوقت، كما هو ظاهر الأدلة و فتاوى المشهور، فلا محيص عن الالتزام يكون وجوب التعلم نفسيّا، لتكون العقوبة- لو قيل بها- على تركه لا على ما أدى إليه من المخالفة، و لا بأس به كما لا يخفى، و لا ينافيه ما يظهر من الأخبار من كون وجوب التعلم إنما هو لغيره لا لنفسه، حيث أن وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميّا، بل للتهيّؤ لإيجابه، فافهم.

______________________________

تلك الاخبار فعليّة و منجّزة، و ان كانت حين العمل و بعد وجود الشرط و حضور الوقت مغفولا عنها، و ذلك لأنّ تلك الاخبار، و ان كانت بلسان الترغيب إليها و بصورة الإرشاد، لكنّها توجب تنجّز الواقع فانها تكون

بمنزلة العلم بها فتصير منجّزة.

فتحصّل ممّا ذكرنا انّ الأوامر الواردة في تلك الأخبار و الآيات أوامر طريقية إلى عدم رضى الشارع بترك الأحكام، و عدم معذورية تاركها بواسطة الجهل بها و الغفلة عنها، نظير الاخبار الدالّة على حجّية الأمارات، فانّها تكون طريقا إلى حجيّتها، و على هذا يكون استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع، لا على ترك التفقّه و التعلم، من غير توجه الإشكال في الواجب المشروط و الموقت.

و مع الغضّ عما ذكرنا في رد الإشكال و تسليمه يقال: انّ الآيات و كذلك الاخبار ان كانت بنفسها دالّة على الوجوب النفسيّ فلا بدّ من القول باستحقاق العقوبة على ترك التعلّم مطلقا، سواء أ كان الترك مفضيا و مؤدّيا إلى مخالفة الواقع أم لا، و كذلك سواء أ كان في الواجبات المطلقة أو المشروطة، غاية الأمر انّه ان كان مؤدّيا إلى مخالفة الواقع و كان المكلّف ملتفتا حين العمل و بعد وجود الشرط و حضور الوقت، فلا بدّ من القول باستحقاق العقوبتين: إحداهما على ترك التعلم، و الأخرى على مخالفة الواقع، و ان لم تكن بذواتها دالة على المطلوب و لكن تحمل

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 323

و أما الأحكام، فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة، بل في صورة الموافقة أيضا في العبادة، فيما لا يتأتّى منه قصد القربة و ذلك لعدم الإتيان بالمأمور به مع عدم دليل على الصحة و الإجزاء، إلاّ في الإتمام في موضع القصر أو

______________________________

على الوجوب النفسيّ باعتبار توجه الإشكال على فرض عدم الوجوب النفسيّ، يقال: انّ توجه الإشكال المذكور لا يوجب ظهور الأدلّة في ذلك، بل يوجب صرف ظهورها عن ذلك، و

انّما يوجب ذلك إذا دلّ دليل قطعي على انّ مثل هذا العبد مستحقّ للعقوبة في الجملة، و دار الأمر بين ان يكون على ترك التعلّم أو على مخالفة الواقع، فيكون عدم فعليّة التكليف بالإضافة إلى الغافل باعتبار عدم معقوليّتها بالإضافة إليه دليلا على عدم الاستحقاق على مخالفة الواقع، فيتعيّن الاستحقاق على ترك التعلم، و بطريق البرهان الإنّي يكون ذلك كاشفا عن الوجوب النفسيّ، و ليس دليل قطعيّ على ما ذكر، و معه نلتزم بعدم الاستحقاق مطلقا لا على ترك التعلم و لا على ترك الواقع كما لا يخفى، و على هذا فلا يكون الإشكال المذكور دليلا على الوجوب النفسيّ، و لا قرينة على إرادته منها.

و ممّا ذكرنا ظهر لك انّه لا حاجة في الذبّ عن الإشكال بالالتزام بكون المشروط و الموقّت مطلقا معلّقا، كما التزم به بعض الأجلة فافهم.

قوله: و امّا الأحكام فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة ... إلخ اعلم انّ هذا البحث تارة يلاحظ بالإضافة إلى من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد، و أخرى بالنسبة إلى المجتهد، امّا البحث بالنسبة إلى المقلّد فيكون أيضا تارة بالنسبة إلى نفسه، و أخرى بالنسبة إلى المفتي الّذي يكون قوله حجّة بالإضافة إلى مقلّده فيما إذا استفتى منه عن صحة علمه الّذي وقع منه بلا تقليد و لا احتياط.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 324

الإجهار أو الإخفات في موضع الآخر، فورد في الصحيح- و قد أفتى به المشهور- صحة الصلاة و تماميتها في الموضعين مع الجهل مطلقا، و لو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها، لأن ما أتى بها و إن صحت و تمت

إلا أنها ليست بمأمور بها.

______________________________

امّا الأول فان تذكّر بعد العمل انّ للعمل أحكاما فشكّ في صحة عمله و انّه هل كان مطابقا للواقع أولا، فلا بدّ حينئذ ان يرجع إلى من يكون قوله حجّة في حقّه في زمان السؤال، و بعد استفتائه عمّن يكون قوله حجّة في حقّه في هذا الحال يأتي البحث الثاني في تكليف المفتي، و هو ان يلاحظ عمل المستفتي، فإن كان عمله مطابقا لرأيه و رأي من كان قوله حجّة في حقه في زمان العمل، فلا شبهة في صحة عمله ظاهرا، فلا بدّ له من الإفتاء بصحّته جزما، و ان كان عمله مخالفا لرأي أحدهما فلا يخلو امّا ان يكون مخالفا لرأي من كان قوله حجّة في حقّه في زمان العمل و موافقا لرأيه، مثلا إذا صلّى المقلد بلا سورة، و كان رأي المجتهد الّذي وجب عليه ان يقلّده حين العمل وجوب السورة و رأي المجتهد الّذي يستفتي عنه حين السؤال عدم وجوبها، و امّا ان يكون بالعكس، و على الأول فأن كان مستند رأي المفتي القطع أو الدليل القاطع الّذي لم يكن عنده معارض بحيث يقطع بخطاء المفتي السابق فلا شبهة في انّه يجب عليه ان يفتي بصحة عمل المقلد، فانّه يرى عمله مطابقا للواقع، و ان كان مخالفا لرأي من كان يقلده حين العمل، فانّ مخالفة العمل للطريق مع موافقته للواقع و إدراك مصلحته لا يضرّ شيئا.

اللّٰهم إلاّ ان يقال انّ الأحكام الواقعيّة تنقلب عمّا هي عليها من المصالح إلى ما أدّت إليه الطريق، و من جملته رأي المجتهد بالنسبة إلى المقلّد فعلى هذا لم يأت المقلد بما هو وظيفته حتى في نظر المجتهد الّذي استفتى منه، و هذا

واضح

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 325

إن قلت: كيف يحكم بصحتها مع عدم الأمر بها؟ و كيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي أمر بها، حتى فيما إذا تمكن مما أمر بها؟ كما هو ظاهر إطلاقاتهم، بأن علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الإتمام و الإخفات و قد بقي من الوقت مقدار إعادتها قصرا أو جهرا، ضرورة أنه لا تقصير هاهنا يوجب

______________________________

لا خفاء فيه، و لكن الانقلاب ممنوع بل باطل غير معقول كما بيّناه في حجيّة الأمارات فراجع.

و امّا ان كان مستند قول المفتي في مقام السؤال هو أصل البراءة من وجوب السورة مثلا، فالإفتاء بالصحّة مشكل بل ممنوع، و ذلك لأنّ البراءة تجري في مورد لم يكن حجة على الحكم، و المقام خلاف ذلك فانّ قول المفتي السابق بالوجوب انّما كان عن حجّة فلا يجوز للمفتي المسئول الإفتاء بالصحّة بمقتضى البراءة فانّ عمل السائل كان بنظره مخالفا للحجّة قطعا و مطابقته للواقع مشكوك، فلا وجه للحكم بالصحّة شرعا.

و كذلك القول إذا كان مستند القولين خبرين متعارضين متكافئين في جميع الجهات، و قلنا في مسألة تعارض الخبرين بالتخيير الشرعي بمعنى إناطة حجّية كل واحد منهما بالخصوص في حق المختار باختياره، و مقتضى ذلك حجيّته من حين اختيار لا قبله و على ذلك يكون الخبر الدال على جزئيّة السورة مثلا حجة للمفتي السابق باعتبار اختياره له، و غيره ليس بحجّة، و الخبر الدالّ على عدم الجزئيّة يكون حجة للمفتي اللاحق باعتبار اختياره له، فيكون عمل السائل مخالفا للحجّة بنظر المفتي اللاحق أيضا و مطابقته للواقع مشكوك فعلا، و قيام الحجة على عدم الجزئية لدى المفتي اللاحق

لا يؤثر في ثبوت عدم الجزئيّة في زمان العمل، لأنّ حجّية أحد المتعارضين انّما تكون من حين اختياره لا قبله كما قلنا.

هذا كلّه في صورة مخالفة العمل لرأي المفتي السابق و موافقته لرأي

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 326

استحقاق العقوبة، و بالجملة كيف يحكم بالصحّة بدون الأمر؟ و كيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة؟ لو لا الحكم شرعا بسقوطها و صحة ما أتى بها.

قلت: إنما حكم بالصحّة لأجل اشتمالها على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها مهمة في حد ذاتها، و إن كانت دون مصلحة الجهر و القصر، و إنما لم يؤمر بها لأجل أنه أمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الأكمل و الأتم.

______________________________

اللاحق، و امّا العكس و هو صورة المطابقة مع رأي السابق و المخالفة مع رأي اللاحق فالحكم بالصحّة و عدمها مبنىّ على الإجزاء و عدمه مضافا إلى شي ء زائد في المقام، و هو انّه هل يعتبر في الإجزاء على القول به الإتيان بالعمل بانيا على قيام الحجّة و هذا فرع العلم بها كما لا يخفى، أو يكفي صرف مطابقة العمل للحجة، فان قلنا بالإجزاء و كفاية المطابقة و لو اتفاقا، فلا شبهة في صحة عمل المقلّد في المقام و لا بد للمفتي من ان يفتي بها إذا كان رأيه ذلك و اما إذا لم نقل بالإجزاء، أو قلنا بالإجزاء و لكن لم نقل بكفاية المطابقة الاتفاقية فالحكم فيه الفساد و الإفتاء به، و وجهه ظاهر.

و لكن التحقيق هو الأول لظهور أدلّة الأصول بل و الأمارات في الاجزاء كما فصّلناه في مقامه، و ظهورها في الاجزاء انّما يكون بنحو الإطلاق بحيث

يشمل صورة المطابقة الاتفاقيّة، فالحكم بالصحّة فيه قوي، فافهم و تأمّل.

هذا كله بالإضافة إلى العبادات، و امّا المعاملات فالامر فيها بالنسبة إلى الإجزاء كذلك، لأنّه يمكن ان يقع المعاملة على طبق الأمر الظاهري و الحجة، مثل ان يكون وقوع البيع بالفارسيّة على طبق فتوى المفتي الّذي يجب الرجوع إليه سببا و موجبا للملكيّة في حال الجهل بالواقع، مثل وقوعه على طبق الواقع في حال العلم بالواقع، هذا في مقام الثبوت، و اما في مقام الإثبات فمقتضى

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 327

و أمّا الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة فإنها بلا فائدة، إذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة التي كانت في المأمور بها، و لذا لو أتى بها في موضع الآخر جهلا- مع تمكنه من التعلم- فقد قصر، و لو علم بعده و قد وسع الوقت.

______________________________

الأصول و الإطلاقات هو حصول الملكيّة بما جعله الشارع في مقام الظاهر سببا و مقتضيا للملكيّة.

و الحاصل انّ الحكم بالصحّة أو الفساد في المعاملات، إذا وقعت مطابقة لفتوى من يجب الرجوع إليه في وقت العمل، و كانت مخالفة لفتوى المجتهد الّذي يجب الرجوع إليه في الحال، هو الحكم في العبادات في كونه مبتنيا على الإجزاء و عدمه فان استظهر المفتي اللاحق من أدلّة حجيّة قول المفتي السابق الإجزاء فلا بدّ له من الإفتاء بالصحّة، و إلاّ فبالفساد، اللهم إلاّ ان يقال: انّ المعاملات تعتبر وجودات باقيات إلى زمان المفتي اللاحق و ما بعده، و على هذا يكون الوجود البقائي منها بمنزلة الوجود الحدوثي منها في ترتّب الآثار و الأحكام، فلا بدّ من حين السؤال من ترتيب الأحكام

و الآثار الّتي تكون للمعاملة على رأي المفتي اللاحق، و يجب عليه ان يفتي بما يستنبطه من الأدلة، و ان كانت مخالفة للأحكام المترتّبة سابقا، فافهم.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّه خرج عن هذه الكليّة أعني وجوب الإعادة و القضاء على الجاهل المتمكن من التعلّم في صورة المخالفة موردان: الإتمام في موضع القصر، و الجهر أو الإخفات في موضع الآخر، و ذلك لورود النصّ الصحيح المفتي به بين الأصحاب على صحّة الصلاة و تماميتها في الموضعين مع الجهل مطلقا و لو كان عن تقصير، و لا كلام في هذا الحكم، و لكنّه يشكل الأمر من جهة أخرى بل من جهتين:

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 328

فانقدح أنه لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الإتمام، و لا من الجهر كذلك بعد فعل صلاة الإخفات، و إن كان الوقت باقيا.

______________________________

الأولى انّ الأمر الواقعي المتعلق بالإخفاة مثلا أو المتعلق بالقصر بالإضافة إلى الجاهل فعليّ و منجّز فتكون الصلاة المأمور بها هي غير ما أتى بها في هذا الحال و المأتيّ بها غير مأمور بها، و على فرض عدم كونها مأمورا بها كيف يحكم بصحتها، مع انّ صحة العمل تتوقف على الإتيان به على طبق الأمر؟

الجهة الثانية انّه كيف يصحّ الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها واقعا مع الحكم بعدم وجوب الإعادة فيما إذا تمكّن، فانّه ان كانت الصلاة المأتيّ بها بمنزلة الصلاة المأمور بها فالإتيان بها موجب لسقوط الأمر الواقعي، و مع سقوط الأمر لا يقال بالاستحقاق، و ان لم تكن موجبة لسقوط الأمر فلا وجه لعدم وجوب الإعادة فكيف يجمع بينهما؟

و يمكن الجواب عن الإشكال الأول

بوجهين:

الأوّل انّه يمكن ان تكون تلك الصلاة مأمورا بها على نحو المترتب، فالحكم بصحتها انّما يكون باعتبار وقوعها على وفق الأمر.

الثاني انّ الصحة ليست عبارة عن وقوع العمل على وفق الأمر، بل هي عبارة عن وقوعه على وفق المصلحة، و الحكم بالصحّة في المقام انما يكون باعتبار اشتمال الصلاة الكذائية على مصلحة تامّة في حد ذاتها و انّما لم يؤمر بها لمزاحمة ما يكون أتمّ و أقوى منها.

و امّا الجواب عن الإشكال الثاني فهو انّ الحكم باستحقاق العقوبة انّما يكون باعتبار فوت مصلحة الأقوى الّتي فوّتها المكلّف باختياره، و الحكم بعدم وجوب الإعادة مع التمكن انّما يكون باعتبار استيفاء مقدار من المصلحة بتلك الصلاة بحيث لا يبقى مجال لاستيفاء المقدار الفائت منها حتى يأمر الشارع بها

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 329

إن قلت: على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سببا لتفويت الواجب فعلا، و ما هو سبب لتفويت الواجب كذلك حرام، و حرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام.

قلت: ليس سببا لذلك، غايته أنه يكون مضادا له، و قد حققنا في محله أن الضد و عدم ضده متلازمان ليس بينهما توقف أصلا.

لا يقال: على هذا فلو صلى تماما أو صلى إخفاتا- في موضع القصر و الجهر مع العلم بوجوبهما في موضعهما- لكانت صلاته صحيحة، و إن عوقب على مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر.

فإنه يقال: لا بأس بالقول به لو دل دليل على أنها تكون مشتملة على المصلحة

______________________________

ثانيا.

قوله: ان قلت على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سببا لتفويت الواجب ... إلخ هذا إشكال من المصنّف قدّس سرّه على نفسه و أجاب عنه بقوله: ليس سببا

بل يكون مضادّا، و الضدّ ليس سببا لعدم ضدّه بل يكون مقارنا له، و صرف المقارنة لا يصيّره حراما حتى يوجب الفساد.

و لكن التحقيق فيه هو السببية لا الضدّية، لأنّ حقيقة التضادّ عدم إمكان اجتماع الضدّين في موضوع واحد في زمان واحد، و المقام ليس كذلك، لأنّ تفويت الآخر ليس من جهة عدم إمكان إتيان الآخر في ذلك الزمان، بل يكون من جهة عدم الإمكان مطلقا و لو في الأزمنة اللاحقة.

و الحاصل انّ تفويت الواقع بتلك الصلاة ليس من جهة عدم إمكان اجتماع الواقع مع تلك الصلاة، فانّه مع قطع النّظر عن التفويت يمكن الإتيان بالواقع أيضا و لو في الزمان اللاحق، فعدم الإمكان انّما يكون باعتبار عليّة

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 330

و لو مع العلم، لاحتمال اختصاص أن يكون كذلك في صورة الجهل، و لا بعد أصلا في اختلاف الحال فيها باختلاف حالتي العلم بوجوب شي ء و الجهل به، كما لا يخفى. و قد صار بعض الفحول بصدد بيان إمكان كون المأتي في غير موضعه مأمورا به بنحو الترتب، و قد حققناه في مبحث الضد امتناع الأمر بالضدين مطلقا، و لو بنحو الترتب، بما لا مزيد عليه فلا نعيد.

ثم إنه ذكر لأصل البراءة شرطان آخران:
أحدهما:

أن لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى.

ثانيهما: أن لا يكون موجبا للضرر على آخر.
اشارة

______________________________

الصلاة المأتيّ بها لفوات الواقع، و على هذا فالصلاة الكذائيّة تقع مبغوضة فلا تصلح للتقرّب أصلا.

و يمكن ان يقال في الذبّ عن الإشكال بأنّ الدليل الدالّ على الصحة يكشف عن عدم كون العمل عصيانا للواقع، و ذلك لدلالة الدليل على انّ العمل في هذا الحال واف بتمام مصلحة الواقع في غير حال الجهل، فيكون مسقطا للأمر الواقعي فلا يكون في البين مخالفة و لا تفويت.

و دعوى الإجماع على انّ الجاهل المقصر مستحقّ للعقوبة ممنوعة لا سيّما في خصوص المقام، فان الإجماع على فرض حصوله لا يكون في خصوص المقام بل في مطلق الجاهل المقصر، و المتيقن من معقده و لو بقرينة الاخبار الواردة في المقام غير ذلك المورد، فافهم.

ثم انّه ذكر لجريان أصل البراءة شرطان آخران:

أحدهما ان لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعيّ من جهة أخرى، مثل ما إذا كان الرّجل مستطيعا و شكّ في انّ ذمّته مشغولة بدين أولا، بحيث ان لم يكن عليه دين كان مستطيعا و إلاّ فلا، فمقتضى جريان البراءة في الدين هو

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 331

و لا يخفى أن أصالة البراءة عقلا و نقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية، و عدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلية و الإباحة أو رفع التكليف الثابت بالبراءة النقليّة، لو كان موضوعا لحكم شرعي أو ملازما له فلا محيص عن ترتبه عليه بعد إحرازه، فإن لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعا، فهي و إن كانت جارية إلا أن ذاك الحكم لا يترتب، لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها،

و هذا ليس بالاشتراط.

و أما اعتبار أن لا يكون موجبا للضرر، فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر و إن لم يكن مجال فيه لأصالة البراءة، كما هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية، إلا أنه حقيقة لا يبقى لها مورد، بداهة أن الدليل الاجتهادي يكون بيانا و موجبا للعلم بالتكليف و لو ظاهرا، فإن كان المراد من الاشتراط ذلك، فلا بد من اشتراط أن لا يكون على خلافها دليل اجتهادي، لا خصوص قاعدة الضرر، فتدبر، و الحمد للّه على كل حال.

______________________________

ثبوت الاستطاعة التي تكون موضوعا لوجوب الحجّ، و هو كما ترى، ضرورة إطلاق أدلّة البراءة، و لا دليل على الشرط المذكور، و الملازمة المذكورة ليست مانعة عن الجريان أصلا كما لا يخفى.

و ثانيهما ان لا يكون موجبا للضرر على آخر، و هذا الشرط أيضا في غير محلّه، لأنّ مورد جريان البراءة ما لم يكن فيه دليل اجتهادي:

و بعبارة أخرى موضوع البراءة هو خلوّ الواقعة عن الدليل الاجتهادي، فكلّ مقام تشمله قاعدة الضرر لا يبقى فيه مجال للبراءة لانتفاء موضوعها، و ذلك لا يختص بقاعدة الضرر بل يعمّها و ساير الأدلّة، فالشرط المزبور ليس شرطا زائدا على نفس تحقّق الموضوع حتى يجعل شرطا مختصا بقاعدة الضرر، فافهم.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 332

[الكلام في قاعدة لا ضرر و لا ضرار]

ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر و الضرار على نحو الاقتصار، و توضيح مدركها و شرح مفادها، و إيضاح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الأوّلية أو الثانوية، و إن كانت أجنبية عن مقاصد الرسالة، إجابة لالتماس بعض الأحبّة، فأقول و به أستعين:

إنه قد استدل عليها بأخبار كثيرة:

منها: موثقة

زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: (إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، و كان منزل الأنصاري بباب البستان، و كان سمرة يمرّ إلى نخلته و لا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى، سمرة،

______________________________

قوله: ثمّ انّه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر. إلخ اعلم انّ مدرك قاعدة الضرر هو الاخبار المستفيضة بل المتواترة، و لا بأس بذكر بعضها و بيان مفادها:

منها ما يكون أصحّ سندا و أوضح دلالة، و هو ما رواه غير واحد عن زرارة في قصّة سمرة بن جندب عن أبي جعفر عليه السلام انّ سمرة [1] بن جندب كان له عذق و كان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار، و كان يجي ء و يدخل إلى عذقه بغير اذن من الأنصاري، فقال الأنصاري: يا سمرة لا تفجأنا على حال لا نحبّ ان تفجأنا عليه، فإذا دخلت فاستأذن، فقال: لا استأذن في

______________________________

[1] سمرة بفتح الأول و ضم الثاني و فتح الثالث، بن جندب بضم الجيم و سكون النون و فتح الدال، صحابي من بني شمخ بن فزارة، و كان من أشدّ الناس قسوة و عداوة لأهل البيت عليهم السلام و شيعتهم، و كان لا يبالي بقتل الأبرياء و جعل الأكاذيب و تحريف الكلم عن مواضعه، و هو الّذي أخذ أربعمائة الف درهم من معاوية و حرّف آيتين من الكتاب العزيز عن موضعهما، و هو الّذي قتل ثمانية آلاف من الشيعة في البصرة في سنة خمسين من الهجرة، و هلك سنة 58 أو 59 أو سنة 60 أو بعدها فانّ ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) قال: انّ سمرة عاش حتى حضر

مقتل الحسين عليه السلام، و كان من شرطة ابن زياد و يحرّض الناس إلى قتاله ..

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 333

فجاء الأنصاري إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فشكا إليه، فأخبر بالخبر، فأرسل رسول اللّه و أخبره بقول الأنصاري و ما شكاه، فقال: إذا أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلما أبى فساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء اللّه، فأبى أن يبيعه، فقال: لك بها عذق في الجنة، فأبى أن يقبل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للأنصاري:

اذهب فاقلعها و ارم بها إليه، فإنه لا ضرر و لا ضرار).

و في رواية الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام مثل ذلك، إلا أنه فيها بعد الإباء (ما أراك يا سمرة إلا مضارا، اذهب يا فلان فاقلعها و ارم بها وجهه) إلى غير ذلك من الروايات الواردة في قصة سمرة و غيرها. و هي كثيرة و قد ادّعي تواترها، مع اختلافها لفظا و موردا، فليكن المراد به تواترها إجمالا، بمعنى

______________________________

طريق، و هو طريقي إلى عذقي، قال: فشكاه الأنصاري إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فأرسل إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأتاه فقال: انّ فلانا قد شكاك و زعم انّك تمرّ عليه و على أهله بغير اذن، فاستأذن عليه إذا أردت ان تدخل، فقال: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم استأذن في طريقي عذقي؟ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خلّ عنه و لك مكانه عذق في مكان كذا و كذا، فقال: لا، قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: فلك اثنان،

قال: لا أريد، فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذق، فقال: فلك عشرة في مكان كذا و كذا، فأبى، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: خلّ عنه و لك مكانه عذق في الجنّة، قال: لا أريد، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: انّك رجل مضادّ، و لا ضرر و لا ضرار على مؤمن، ثمّ أمر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقلعت و رمى بها إليه، و قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: انطلق فاغرسها حيث شئت «1».

______________________________

(1) فروع الكافي ج 1 ص 414- بحار الأنوار ج 22 ص 135 ط بيروت.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 334

القطع بصدور بعضها، و الإنصاف أنه ليس في دعوى التواتر كذلك جزاف، و هذا مع استناد المشهور إليها موجب لكمال الوثوق بها و انجبار ضعفها، مع أن بعضها موثقة، فلا مجال للإشكال فيها من جهة سندها، كما لا يخفى.

و أما دلالتها، فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النّفع، من النقص في النّفس أو الطرف أو العرض أو المال، تقابل العدم و الملكة، كما أن الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جي ء به تأكيدا، كما يشهد به إطلاق المضارّ على سمرة، و حكي عن النهاية لا فعل الاثنين، و إن كان هو الأصل في باب المفاعلة، و لا الجزاء على الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة، و بالجملة لم يثبت له معنى آخر غير الضرر.

كما أن الظاهر أن يكون (لا) لنفي الحقيقة، كما هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاء، كناية عن نفي الآثار، كما هو الظاهر من مثل: (لا صلاة

لجار المسجد إلا في المسجد) و (يا أشباه الرّجال و لا رجال) فإن قضية البلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادعاء، لا نفي الحكم أو الصفة، كما لا يخفى.

______________________________

اعلم انّه يمكن القطع بصدور قضيّة لا ضرر و لا ضرر، مضافا إلى عمل المشهور بها، و هو بنفسه كاف في الأخذ بها و العمل عليها، و هذا لا شبهة فيه، و لكن الكلام في جهات:

الأولى في معنى الضرر و حقيقته فهو على ما أفاده المصنّف ما يقابل النّفع تقابل العدم و الملكة فان هذا التقابل عبارة عن عدم وصف لموضوع كان من شأنه ان يكون بذاك الوصف، و هذه الشأنيّة امّا ان يلاحظ بالإضافة إلى شخص الموضوع، و امّا ان يلاحظ إلى نوعه، و اما ان يلاحظ إلى جنسه، فالضرر باعتبار هذا التقابل عبارة عن عدم النّفع، نظير العمى بالنسبة إلى البصر.

و لكن هذا الكلام في معنى الضرر خلاف التحقيق، لأنّ الضرر في العرف امر وجودي و هو عبارة عن النقص مقابل النّفع الّذي هو أيضا امر وجوديّ

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 335

و نفي الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفي أحدهما ابتداء مجازا في التقدير أو في الكلمة، مما لا يخفى على من له معرفة بالبلاغة.

و قد انقدح بذلك بعد إرادة نفي الحكم الضرري، أو الضرر الغير المتدارك، أو إرادة النهي من النفي جدا، ضرورة بشاعة استعمال الضرر و إرادة خصوص سبب من أسبابه، أو خصوص الغير المتدارك منه، و مثله لو أريد ذاك بنحو التقييد، فإنه و إن لم يكن ببعيد، إلا أنه بلا دلالة عليه غير سديد، و إرادة النهي من النفي

و إن كان ليس بعزيز، إلا أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب، و عدم إمكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة لا يكاد يكون قرينة على إرادة واحد منها، بعد إمكان حمله على نفيها ادعاء، بل كان هو الغالب في موارد استعماله.

ثم الحكم الّذي أريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها، أو المتوهّم ثبوته لها كذلك في حال الضرر لا الثابت له بعنوانه، لوضوح

______________________________

عبارة عن الزيادة، بل ربما يعتبر لهما واسطة مثل رأس المال للتاجر إذا كان باقيا على حاله من دون نقص و زيادة.

الثانية في المقصود من نفي الضرر، اعلم انّه لمّا كانت كلمة لا موضوعة لنفي الجنس و نفي مدخولها، و مقتضى ذلك نفي الضرر واقعا و بحسب الوجود الخارجي، و لا يمكن إرادة ذلك لأنّه يلزم من إرادته الكذب، فلا بد من إرادة غيره، فامّا ان يكون المراد من النفي النهي عن الضرر مطلقا بنفسه أو بغيره فيكون مفاد القضيّة تحريم الإضرار، ذهب إلى هذا الوجه صاحب «الجواهر» و هذا الوجه خلاف الظاهر، و امّا ان يكون المراد نفي الضرر المقيّد بكونه غير متدارك في الإسلام، فيكون مفاد القضية انه ليس في الإسلام ضرر إلاّ و قد جبره الشارع و تداركه بنفع كان جبرانا له [1].

______________________________

[1] هذا الوجه حكاه الشيخ في رسالته المطبوعة في ملحقات المكاسب عن بعض الفحول و لم يسمّه.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 336

أنه العلّة للنفي، و لا يكاد يكون الموضوع يمنع عن حكمه و ينفيه بل يثبته و يقتضيه.

و من هنا لا يلاحظ النسبة بين أدلّة نفيه و أدلّة الأحكام، و تقدم أدلّته على أدلّتها- مع أنها عموم من

وجه- حيث أنه يوفّق بينهما عرفا، بأن الثابت للعناوين الأوّلية اقتضائي، يمنع عنه فعلا ما عرض عليها من عنوان الضرر بأدلّته، كما هو الحال في التوفيق بين سائر الأدلّة المثبتة أو النافية لحكم الأفعال بعناوينها الثانوية، و الأدلّة المتكفّلة لحكمها بعناوينها الأوّلية.

نعم ربما يعكس الأمر فيما أحرز بوجه معتبر أن الحكم في المورد ليس بنحو الاقتضاء، بل بنحو العليّة التامة.

______________________________

و هذا الوجه أيضا خلاف الظاهر، و امّا ان يكون المراد عدم تشريع الضرر، بمعنى انّ الشارع لم يشرع حكما يلزم منه الضرر على أحد تكليفيا كان مثل وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلاّ بثمن كثير، أو وضعيا كلزوم البيع مع الغبن مثلا، و هذا الوجه أيضا خلاف الظاهر، فانّه يحتاج إلى إضمار و تقدير، و هو خلاف الأصل، و ذهب إلى هذا الوجه شيخنا الأنصاري قدس سرّه هذا.

و امّا ان يكون المراد بناء على ما أفاده المصنف نفي الحقيقة ادّعاء و تنزيلا و كناية عن نفي الآثار و الأحكام المترتبة على الموضوعات و بعبارة أخرى يمكن إرادة نفي الحقيقة استعمالا و ان كانت الإرادة الجدّية متعلقة بالآثار، و مثل هذا الاستعمال شايع في المحاورات، و نظيره كثير في الاخبار و الآثار، مثل لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد [1]، و يا اشتباه الرّجال و لا رجال «1» و مقتضى البلاغة فيما لم يترتب عليه اثره المترقّب هو نفي حقيقته ادعاء لا نفي الآثار، فانّ ما يكون له

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 3- أبواب أحكام المساجد الباب الثاني الحديث الأول عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انّه قال: لا صلاة لجار المسجد إلاّ في مسجده.

______________________________

(1) نهج البلاغة خطبة 27.

قاعدة لا ضرر و

الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 337

و بالجملة الحكم الثابت بعنوان أوّلي:

تارة يكون بنحو الفعلية مطلقا، أو بالإضافة إلى عارض دون عارض، بدلالة لا يجوز الإغماض عنها بسبب دليل حكم العارض المخالف له، فيقدّم دليل ذاك العنوان على دليله.

و أخرى يكون على نحو لو كانت هناك دلالة للزم الإغماض عنها بسببه عرفا، حيث كان اجتماعهما قرينة على أنه بمجرد المقتضي، و أن العارض مانع فعلي، هذا و لو لم نقل بحكومة دليله على دليله، لعدم ثبوت نظره إلى مدلوله، كما قيل.

ثم انقدح بذلك حال توارد دليلي العارضين، كدليل نفي العسر و دليل نفي الضرر مثلا، فيعامل معهما معاملة المتعارضين لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين، و إلا فيقدم ما كان مقتضية أقوى و إن كان دليل الآخر أرجح و أولى، و لا يبعد أن الغالب في توارد العارضين أن يكون من ذاك الباب، بثبوت المقتضي فيهما مع تواردهما، لا من باب التعارض، لعدم ثبوته إلا في أحدهما، كما لا يخفى، هذا حال تعارض الضرر مع عنوان أولي أو ثانوي آخر.

______________________________

أثر يصح التعبير عن نفيه بنفي ذاته، و على هذا لا يلزم مجاز و لا خلاف الظاهر و لا الكذب.

و لا يخفى انّ هذا الكلام و ان كان يصحّ في غير هذا المقام مثل لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد، و لكن في مثل المقام لا يصحّ لأنّ حسن التعبير عن نفي الأحكام و الآثار بنفي الموضوع انّما يكون فيما كان الحكم المنفي من أحكام العنوان المذكور في القضية مثل الآثار المترتبة على عنوان الصلاة في القضية المزبورة، و اما إذا لم يكن كذلك بان يكون الحكم المنفي من أحكام عنوان

آخر مما لا يصح و لا يحسن و ليس شايعا في المحاورات و الاخبار مثل المقام فانّ الحكم الّذي أريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للافعال بعناوينها الأوليّة بما هي

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 338

و أما لو تعارض مع ضرر آخر، فمجمل القول فيه أن الدوران إن كان بين ضرري شخص واحد أو اثنين، فلا مسرح إلا لاختيار أقلهما لو كان، و إلا فهو مختار.

و أما لو كان بين ضرر نفسه و ضرر غيره، فالأظهر عدم لزوم تحمله الضرر، و لو كان ضرر الآخر أكثر، فإن نفيه يكون للمنة على الأمة، و لا منة على تحمل الضرر، لدفعه عن الآخر و إن كان أكثر.

نعم لو كان الضرر متوجها إليه، ليس له دفعه عن نفسه بإيراده على الآخر، اللّهم إلا أن يقال: إن نفي الضرر و إن كان للمنة، إلا أنه بلحاظ نوع الأمة، و اختيار الأقل بلحاظ النوع منّة، فتأمل.

______________________________

هي في حال الضرر و طروئه، لا الحكم الثابت لعنوان الضرر لوضوح انّه العلّة للنفي، و لا يمكن ان يكون الموضوع مانعا عن حكمه، بل يكون مقتضيا له، و تلك العناوين التي أريد نفي حكمها غير مذكورة في القضيّة، و نفي أحكامها بلسان نفي عنوان الضرر و ان كان قد يلازمها ممّا لا يساعده الاعتبار و يحتاج إلى تعسّف كما لا يخفى على أولي الأبصار، و على هذا فاختيار الشيخ الأنصاري و موافقة السيّد الأستاذ لا يخلو من حسن و وجه و هو ان يكون المراد من النفي هو الأحكام الموجبة للضرر لا نفس عنوان الضرر، فانّ هذا المعنى يناسب ارتباطه بالإسلام تأمّل تعرف.

و ممّا ذكرنا

ظهر لك النسبة بين أدلّة تلك القاعدة و أدلّة الأحكام الأوليّة الثابتة للعناوين فان الأولى حاكمة على الثانية و ان كانت النسبة بينهما عموما من وجه، اللهم إلاّ ان يكون دليل الحكم الأوّلي دالاّ على الثبوت بنحو العليّة التامّة بحيث كان فعليّا من جميع الجهات فيكون مقدّما على أدلّة نفي الضرر.

هذا بالإضافة إلى أدلّة الأحكام الأوّلية، و امّا بالإضافة إلى الدليل

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 456

[فصل في الاستصحاب]

تذنيب

لا يخفى أن مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل، و قاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه، و أصالة صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية إلا القرعة تكون مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات، لتخصيص دليلها بأدلتها، و كون النسبة بينه و بين بعضها عموما من وجه لا يمنع عن تخصيصه بها بعد الإجماع على عدم التفصيل بين مواردها، مع لزوم قلة المورد لها جدا لو قيل بتخصيصها بدليلها، إذ قلّ مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها، كما لا يخفى.

______________________________

التناقض في مدلول بعضها، فانّ قوله عليه السلام في ذيل بعض الاخبار: «و لكن تنقضه بيقين آخر» الشامل لليقين بارتفاع أحد الأطراف يناقض قوله عليه السلام في صدره: «لا تنقض اليقين بالشك» الشامل للشكّ في بقاء كل فرد من الأطراف بالخصوص، فانّ قوله عليه السلام: «و لكن ... إلخ» انّما اعتبر بالإضافة إلى متعلّق الشك، و هو كل فرد من الأطراف بالخصوص، و معلوم انّ العلم الإجمالي انّما يكون متعلّقا بشي ء آخر و هو عنوان أحد الأطراف لا بعينه و على ذلك لا شبهة في الشمول للمقام بلا تناقض أصلا،

و امّا فقد المانع فانّه لا يلزم من جريانهما المخالفة العمليّة كما لا يخفى.

قوله: تذنيب لا يخفى انّ مثل قاعدة التجاوز ... إلخ اعلم انّه لا شبهة في تقدّم قاعدة التجاوز و قاعدة الفراغ، و أصالة صحة عمل الغير على الاستصحاب، و ذلك أوّلا لأخصيّة أدلّة تلك القواعد عن دليل الاستصحاب بتخصيص دليله بأدلتها كما لا يخفى، و ثانيا لأنّ القواعد المذكورة انّما جعلت في مورد الاستصحاب، فانّ الشك في العمل بعد التجاوز عنه أو بعد

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 457

و أما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها، لأخصيّة دليله من دليلها، لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها، و اختصاصها بغير الأحكام إجماعا لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها، هذا مضافا إلى و هن دليلها بكثرة تخصيصه، حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر بعمل المعظم، كما قيل، و قوّة دليله بقلة تخصيصه بخصوص دليل.

لا يقال: كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله؟ و قد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه، و موجبا لكون نقض اليقين باليقين بالحجة على خلافه، كما هو الحال بينه و بين أدلة سائر الأمارات، فيكون- ها هنا أيضا- من دوران الأمر بين التخصيص بلا وجه غير دائر و التخصّص.

______________________________

الفراغ عنه، أو في عمل الغير انّما وقع موضوعا لتلك القواعد، و معلوم انّ المشكوك فيه شطرا أو شرطا لا بدّ و ان يكون مسبوقا بالعدم، و مقتضى الاستصحاب عدمه، و مع ذلك حكم الشرع بوجوده و وقوعه.

و امّا القرعة فلا شبهة في تقديم الاستصحاب عليها، و ذلك أوّلا لأخصيّة دليله عن دليلها لأنّه لوحظ في موضوعه اليقين السابق

بخلافها فانّه لم يلاحظ في موضوعها سوى الشبهة و الجهل، و ثانيا لقوة دليله، و ثالثا لعدم حجيّة دليل القرعة في العموم، و ذلك لضعف سند دليلها و لا بدّ في انجباره بعمل الأصحاب على طبقه و لم يعمل بعمومه أحد من الأصحاب و أعرضوا عن عمومه، و انّما عملوا على طبقه في موارد مخصوص، و على فرض حجيّة عمومه كان إعراضهم عنه موجبا لخروجه عن الحجيّة، و رابعا لأنّ الظاهر من دليلها ان يكون الأمر مشكلا و مشتبها واقعا و ظاهرا بعنوانه الأوّلي و الثانوي كليهما، و على هذا فدليل الاستصحاب رافع لموضوع دليلها لأنّه يخرجه عن الإشكال. و الحمد للّه أولا و آخرا و صلى اللّه على محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 458

فإنه يقال: ليس الأمر كذلك، فإن المشكوك مما كانت له حالة سابقة و إن كان من المشكل و المجهول و المشتبه بعنوانه الواقعي، إلا أنه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشك، و الظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق لا في الجملة، فدليل الاستصحاب الدالّ على حرمة النقض الصادق عليه حقيقة، رافع لموضوعه أيضا، فافهم.

فلا بأس برفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه و بين رفع اليد عن دليله، لوهن عمومها و قوة عمومه، كما أشرنا إليه آنفا، و الحمد للّه أولا و آخرا، و صلى اللّه على محمد و آله باطنا و ظاهرا.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 493

الخاتمة الاجتهاد و التّقليد

اشارة

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)،

ج 2، ص: 495

أما الخاتمة: فهي فيما يتعلق بالاجتهاد و التقليد

فصل الاجتهاد لغة: تحمل المشقة،

و اصطلاحا كما عن الحاجبي و العلامة:

استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي، و عن غيرهما: ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلا أو قوة قريبة.

و لا يخفى أن اختلاف عباراتهم في بيان معناه اصطلاحا، ليس من جهة الاختلاف في حقيقته و ماهيته، لوضوح أنهم ليسوا في مقام بيان حدّه أو رسمه، بل إنما كانوا في مقام شرح اسمه و الإشارة إليه بلفظ آخر و إن لم يكن مساويا له بحسب مفهومه، كاللغوي في بيان معاني الألفاظ بتبديل لفظ بلفظ آخر، و لو كان أخصّ منه مفهوما أو أعمّ.

و من هنا انقدح أنه لا وقع للإيراد على تعريفاته بعدم الانعكاس أو الاطراد، كما هو الحال في تعريف جل الأشياء لو لا الكل، ضرورة عدم الإحاطة بها بكنهها، أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها، لغير علام الغيوب، فافهم.

و كيف كان، فالأولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه، فإن المناط فيه هو تحصيلها قوة أو فعلا لا الظن حتى عند العامة القائلين بحجيته مطلقا، أو بعض الخاصة القائل بها عند انسداد باب العلم بالأحكام، فإنه مطلقا عندهم، أو عند

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 496

الانسداد عنده من أفراد الحجة، و لذا لا شبهة في كون استفراغ الوسع في تحصيل غيره من أفرادها- من العلم بالحكم أو غيره مما اعتبر من الطرق التعبدية الغير المفيدة للظن و لو نوعا- اجتهادا أيضا.

و منه قد انقدح أنه لا وجه لتأبّي الأخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى، فإنه لا محيص عنه كما لا يخفى، غاية الأمر له أن ينازع في حجية

بعض ما يقول الأصولي باعتباره و يمنع عنها، و هو غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بذاك المعنى، ضرورة أنه ربما يقع بين الأخباريين، كما وقع بينهم و بين الأصوليين.

فصل

ينقسم الاجتهاد إلى مطلق و تجزّ، فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الأحكام الفعلية من أمارة معتبرة، أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في الموارد التي لم يظفر فيها بها، و التجزي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام.

ثم إنه لا إشكال في إمكان المطلق و حصوله للأعلام، و عدم التمكن من الترجيح في المسألة و تعيين حكمها و التردد منهم في بعض المسائل إنما هو بالنسبة إلى حكمها الواقعي، لأجل عدم دليل مساعد في كل مسألة عليه، أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم، لا لقلة الاطلاع أو قصور الباع.

و أما بالنسبة إلى حكمها الفعلي، فلا تردد لهم أصلا، كما لا إشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به، و أما لغيره فكذا لا إشكال فيه، إذا كان المجتهد ممن كان باب العلم أو العلمي بالأحكام مفتوحا له- على ما يأتي من الأدلة على جواز التقليد- بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما، فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال، فإن رجوعه إليه ليس من رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى الجاهل، و أدلة جواز التقليد إنّما دلّت على جواز رجوع غير العالم إلى العالم كما لا يخفى، و قضية مقدمات الانسداد ليست إلا حجية الظن عليه لا على غيره، فلا بدّ في حجية اجتهاد مثله على غيره من التماس دليل آخر غير دليل التقليد و غير دليل الانسداد الجاري في حق المجتهد، من إجماع أو جريان مقدمات دليل

الانسداد في حقه، بحيث

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 497

تكون منتجة لحجية الظن الثابت حجيته بمقدماته له أيضا، و لا مجال لدعوى الإجماع، و مقدماته كذلك غير جارية في حقه، لعدم انحصار المجتهد به، أو عدم لزوم محذور عقلي من عمله بالاحتياط و ان لزم منه العسر، إذا لم يكن له سبيل إلى إثبات عدم وجوبه مع عسرة.

نعم، لو جرت المقدمات كذلك، بأن انحصر المجتهد، و لزم من الاحتياط المحذور، أو لزم منه العسر مع التمكن من إبطال وجوبه حينئذ، كانت منتجة لحجيته في حقه أيضا، لكن دونه خرط القتاد، هذا على تقدير الحكومة.

و أما على تقدير الكشف و صحته، فجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال لعدم مساعدة أدلة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختص حجية ظنه به، و قضية مقدمات الانسداد اختصاص حجية الظن بمن جرت في حقه دون غيره، و لو سلم أن قضيتها كون الظن المطلق معتبرا شرعا، كالظنون الخاصة التي دل الدليل على اعتبارها بالخصوص، فتأمل.

إن قلت: حجية الشي ء شرعا مطلقا لا يوجب القطع بما أدى إليه من الحكم و لو ظاهرا، كما مرّ تحقيقه، و أنه ليس أثره إلا تنجز الواقع مع الإصابة، و العذر مع عدمها، فيكون رجوعه إليه مع انفتاح باب العلمي عليه أيضا رجوعا إلى الجاهل، فضلا عما إذا انسد عليه.

قلت: نعم، إلا أنه عالم بموارد قيام الحجة الشرعية على الأحكام، فيكون من رجوع الجاهل إلى العالم.

إن قلت: رجوعه إليه في موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية، ليس إلا الرجوع إلى الجاهل.

قلت: رجوعه إليه فيها إنما هو لأجل اطلاعه على عدم الأمارة الشرعية فيها،

و هو عاجز عن الاطلاع على ذلك، و أما تعيين ما هو حكم العقل و أنه مع عدمها هو البراءة أو الاحتياط، فهو إنما يرجع إليه، فالمتبع ما استقل به عقله و لو على خلاف ما ذهب إليه مجتهده، فافهم.

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 498

و كذلك لا خلاف و لا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحا، و أما إذا انسد عليه بابهما ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات على نحو الحكومة، فإن مثله- كما أشرت آنفا- ليس ممن يعرف الأحكام، مع أن معرفتها معتبرة في الحاكم، كما في المقبولة، إلا أن يدعى عدم القول بالفصل، و هو و إن كان غير بعيد، إلا أنه ليس بمثابة يكون حجة على عدم الفصل، إلا أن يقال بكفاية انفتاح باب العلم في موارد الإجماعات و الضروريات من الدين أو المذهب، و المتواترات إذا كانت جملة يعتدّ بها، و إن انسد باب العلم بمعظم الفقه، فإنه يصدق عليه حينئذ أنه ممن روى حديثهم عليهم السلام و نظر في حلالهم عليهم السلام و حرامهم عليهم السلام: و عرف أحكامهم عرفا حقيقة. و أما قوله عليه السلام في المقبولة (فإذا حكم بحكمنا) فالمراد أن مثله إذا حكم كان بحكمهم حكم، حيث كان منصوبا منهم، كيف و حكمه غالبا يكون في الموضوعات الخارجية، و ليس مثل ملكية دار لزيد أو زوجية امرأة له من أحكامهم عليهم السلام فصحة إسناد حكمه إليهم عليهم السلام إنما هو لأجل كونه من المنصوب من قبلهم.

و أما التجزي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام:

الأول: في إمكانه، و هو و إن

كان محل الخلاف بين الأعلام إلا أنه لا ينبغي الارتياب فيه، حيث كانت أبواب الفقه مختلفة مدركا، و المدارك متفاوتة سهولة و صعوبة، عقلية و نقلية، مع اختلاف الأشخاص في الاطلاع عليها، و في طول الباع و قصوره بالنسبة إليها، فرب شخص كثير الاطلاع و طويل الباع في مدرك باب بمهارته في النقليات أو العقليات، و ليس كذلك في آخر لعدم مهارته فيها و ابتنائه عليها، و هذا بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركه أو لمهارة الشخص فيه مع صعوبته، مع عدم القدرة على ما ليس كذلك، بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزي، للزوم الطفرة. و بساطة الملكة و عدم قبولها التجزئة، لا تمنع من حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب، بحيث

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 499

يتمكن بها من الإحاطة بمداركه، كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط في جميعها، و يقطع بعدم دخل ما في سائرها به أصلا، أو لا يعتنى باحتماله لأجل الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله، كما في الملكة المطلقة، بداهة أنه لا يعتبر في استنباط مسألة معها من الاطلاع فعلا على مدارك جميع المسائل، كما لا يخفى.

الثاني: في حجية ما يؤدي إليه على المتصف به، و هو أيضا محل الخلاف، إلا أن قضية أدلة المدارك حجيته، لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق، ضرورة أن بناء العقلاء على حجية الظواهر مطلقا، و كذا ما دلّ على حجية خبر الواحد، غايته تقييده بما إذا تمكن من دفع معارضاته كما هو المفروض.

الثالث: في جواز رجوع غير المتصف به إليه في كل مسألة اجتهد فيها، و هو أيضا محل الإشكال،

من أنه من رجوع الجاهل إلى العالم، فتعمّه أدلة جواز التقليد، و من دعوى عدم إطلاق فيها، و عدم إحراز أن بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة على الرجوع إلى مثله أيضا، و ستعرف إن شاء اللّه تعالى ما هو قضية الأدلة.

و أما جواز حكومته و نفوذ فصل خصومته فأشكل، نعم لا يبعد نفوذه فيما إذا عرف جملة معتدة بها و اجتهد فيها، بحيث يصح أن يقال في حقه عرفا أنه ممن عرف أحكامهم، كما مرّ في المجتهد المطلق المنسد عليه باب العلم و العلمي في معظم الأحكام.

فصل

لا يخفى احتياج الاجتهاد إلى معرفة العلوم العربية في الجملة و لو بأن يقدر على معرفة ما يبتني عليه الاجتهاد في المسألة، بالرجوع إلى ما دوّن فيه، و معرفة التفسير كذلك.

و عمدة ما يحتاج إليه هو علم الأصول، ضرورة أنه ما من مسألة الا و يحتاج في

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 500

استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد برهن عليها في الأصول، أو برهن عليها مقدمة في نفس المسألة الفرعية، كما هو طريقة الأخباري، و تدوين تلك القواعد المحتاج إليها على حدة لا يوجب كونها بدعة، و عدم تدوينها في زمانهم عليهم السلام لا يوجب ذلك، و إلا كان تدوين الفقه و النحو و الصرف بدعة.

و بالجملة لا محيص لأحد في استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها إلا الرجوع إلى ما بنى عليه في المسائل الأصولية، و بدونه لا يكاد يتمكن من استنباط و اجتهاد، مجتهدا كان أو أخباريا. نعم يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل و الأزمنة و الأشخاص، ضرورة خفة مئونة الاجتهاد في الصدر الأول، و عدم حاجته إلى كثير

مما يحتاج إليه في الأزمنة اللاحقة، مما لا يكاد يحقق و يختار عادة إلا بالرجوع إلى ما دوّن فيه من الكتب الأصولية.

فصل

اتفقت الكلمة على التخطئة في العقليات، و اختلفت في الشرعيات، فقال أصحابنا بالتخطئة فيها أيضا، و أن له تبارك و تعالى في كل مسألة حكم يؤدي إليه الاجتهاد تارة و إلى غيره أخرى.

و قال مخالفونا بالتصويب، و أن له تعالى أحكاما بعدد آراء المجتهدين، فما يؤدي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك و تعالى، و لا يخفى أنه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة إلا إذا كان لها حكم واقعا، حتى صار المجتهد بصدد استنباطه من أدلته، و تعيينه بحسبها ظاهرا، فلو كان غرضهم من التصويب هو الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء- بأن تكون الأحكام المؤدي إليها الاجتهادات أحكاما واقعية كما هي ظاهرية- فهو و إن كان خطأ من جهة تواتر الأخبار، و إجماع أصحابنا الأخيار على أن له تبارك و تعالى في كل واقعة حكما يشترك فيه الكل، إلا أنه غير محال، و لو كان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الأحكام على وفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد، فهو مما لا يكاد يعقل، فكيف يتفحص عما لا يكون له عين و لا أثر، أو يستظهر من الآية أو الخبر، إلا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي، و أن

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 501

المجتهد و إن كان يتفحص عما هو الحكم واقعا و إنشاء، إلا أن ما أدّى إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعلي حقيقة، و هو مما يختلف باختلاف الآراء ضرورة، و لا يشترك فيه الجاهل و العالم بداهة، و ما يشتركان فيه

ليس بحكم حقيقة بل إنشاء، فلا استحالة في التصويب بهذا المعنى، بل لا محيص عنه في الجملة بناء على اعتبار الأخبار من باب السببية و الموضوعية كما لا يخفى، و ربما يشير إليه ما اشتهرت بيننا أن ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم.

نعم بناء على اعتبارها من باب الطريقية، كما هو كذلك، فمؤديات الطرق و الأمارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقية نفسية، و لو قيل بكونها أحكاما طريقية، و قد مرّ غير مرة إمكان منع كونها أحكاما كذلك أيضا، و أن قضية حجيتها ليس إلا تنجز [تنجيز] مؤدياتها عند إصابتها، و العذر عند خطئها، فلا يكون حكم أصلا إلا الحكم الواقعي، فيصير منجزا فيما قام عليه حجة من علم أو طريق معتبر، و يكون غير منجز بل غير فعلي فيما لم تكن هناك حجة مصيبة، فتأمل جيدا.

فصل

إذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبدل الرّأي الأوّل بالآخر أو بزواله بدونه، فلا شبهة في عدم العبرة به في الأعمال اللاحقة، و لزوم اتباع اجتهاد اللاحق مطلقا أو الاحتياط فيها، و أما الأعمال السابقة الواقعة على وفقه المختل فيها ما اعتبر في صحتها بحسب هذا الاجتهاد، فلا بدّ من معاملة البطلان معها فيما لم ينهض دليل على صحة العمل فيما إذا اختل فيه لعذر، كما نهض في الصلاة و غيرها، مثل: لا تعاد، و حديث الرفع، بل الإجماع على الإجزاء في العبادات على ما ادّعي.

و ذلك فيما كان بحسب الاجتهاد الأوّل قد حصل القطع بالحكم و قد اضمحلّ واضح، بداهة أنه لا حكم معه شرعا، غايته المعذورية في المخالفة عقلا، و كذلك فيما كان هناك طريق معتبر شرعا عليه بحسبه، و قد ظهر خلافه بالظفر بالمقيد أو المخصص أو قرينة

المجاز أو المعارض، بناء على ما هو التحقيق من اعتبار الأمارات من باب الطريقية، قيل بأن قضية اعتبارها إنشاء أحكام طريقية، أم لا على ما مرّ

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 502

منّا غير مرة، من غير فرق بين تعلقه بالأحكام أو بمتعلقاتها، ضرورة أن كيفية اعتبارها فيهما على نهج واحد، و لم يعلم وجه للتفصيل بينهما، كما في الفصول، و أن المتعلقات لا تتحمل اجتهادين بخلاف الأحكام، إلا حسبان أن الأحكام قابلة للتغيّر و التبدل، بخلاف المتعلقات و الموضوعات، و أنت خبير بأن الواقع واحد فيهما، و قد عين أولا بما ظهر خطؤه ثانيا، و لزوم العسر و الحرج و الهرج و المرج المخلّ بالنظام و الموجب للمخاصمة بين الأنام، لو قيل بعدم صحة العقود و الإيقاعات و العبادات الواقعة على طبق الاجتهاد الأول الفاسدة بحسب الاجتهاد الثاني، و وجوب العمل على طبق الثاني، من عدم ترتيب الأثر على المعاملة و إعادة العبادة، لا يكون إلا أحيانا، و أدلة نفي العسر لا ينفي إلا خصوص ما لزم منه العسر فعلا، مع عدم اختصاص ذلك بالمتعلقات، و لزوم العسر في الأحكام كذلك أيضا لو قيل بلزوم ترتيب الأثر على طبق الاجتهاد الثاني في الأعمال السابقة، و باب الهرج و المرج ينسد بالحكومة و فصل الخصومة.

و بالجملة لا يكون التفاوت بين الأحكام و متعلقاتها، بتحمل الاجتهادين و عدم التحمل بينا و لا مبينا، بما يرجع إلى محصل في كلامه- زيد في علو مقامه- فراجع و تأمل.

و أما بناء على اعتبارها من باب السببية و الموضوعية، فلا محيص عن القول بصحة العمل على طبق الاجتهاد الأول، عبادة كان أو معاملة، و

كون مؤداه- ما لم يضمحل- حكما حقيقة، و كذلك الحال إذا كان بحسب الاجتهاد الأول مجرى الاستصحاب أو البراءة النقليّة، و قد ظفر في الاجتهاد الثاني بدليل على الخلاف، فإنه عمل بما هو وظيفته على تلك الحال، و قد مرّ في مبحث الإجزاء تحقيق المقال، فراجع هناك.

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 503

فصل في التقليد

و هو أخذ قول الغير و رأيه للعمل به في الفرعيات، أو للالتزام به في الاعتقاديات تعبدا، بلا مطالبة دليل على رأيه، و لا يخفى أنه لا وجه لتفسيره بنفس العمل، ضرورة سبقه عليه، و إلا كان بلا تقليد، فافهم.

ثم إنه لا يذهب عليك أن جواز التقليد و رجوع الجاهل إلى العالم في الجملة، يكون بديهيا جبلّيا فطريا لا يحتاج إلى دليل، و إلاّ لزم سدّ باب العلم به على العامي مطلقا غالبا، لعجزه عن معرفة ما دلّ عليه كتابا و سنّة، و لا يجوز التقليد فيه أيضا، و إلاّ لدار أو تسلسل، بل هذه هي العمدة في أدلته، و أغلب ما عداه قابل للمناقشة، لبعد تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة، مما يمكن أن يكون القول فيه لأجل كونه من الأمور الفطرية الارتكازية، و المنقول منه غير حجة في مثلها، و لو قيل بحجيتها في غيرها، لوهنه بذلك.

و منه قد انقدح إمكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين، لاحتمال أن يكون من ضروريات العقل و فطرياته لا من ضرورياته، و كذا القدح في دعوى سيرة المتدينين.

و أما الآيات، فلعدم دلالة آية النفر و السؤال على جوازه، لقوة احتمال أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبدا، مع أن المسئول في آية السؤال هم

أهل الكتاب كما هو ظاهرها، أو أهل بيت العصمة الأطهار كما فسّر به في الأخبار.

نعم لا بأس بدلالة الأخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة، حيث دلّ بعضها على وجوب اتباع قول العلماء، و بعضها على أن للعوام تقليد العلماء، و بعضها على جواز الإفتاء مفهوما مثل ما دلّ على المنع عن الفتوى بغير علم، أو

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 504

منطوقا مثل ما دلّ على إظهاره عليه السلام المحبة لأن يرى في أصحابه من يفتي الناس بالحلال و الحرام.

لا يقال: إن مجرد إظهار الفتوى للغير لا يدل على جواز أخذه و اتباعه.

فإنه يقال: إن الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء و جواز اتباعه واضحة، و هذا غير وجوب إظهار الحق و الواقع، حيث لا ملازمة بينه و بين وجوب أخذه تعبدا، فافهم و تأمّل.

و هذه الأخبار على اختلاف مضامينها و تعدد أسانيدها، لا يبعد دعوى القطع بصدور بعضها، فيكون دليلا قاطعا على جواز التقليد، و إن لم يكن كل واحد منها بحجة، فيكون مخصصا لما دل على عدم جواز اتباع غير العلم و الذم على التقليد، من الآيات و الروايات.

قال اللّه تبارك و تعالى: وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ «1» و قوله تعالى:

إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُقْتَدُونَ «2» مع احتمال أنّ الذم إنما كان على تقليدهم للجاهل، أو في الأصول الاعتقادية التي لا بدّ فيها من اليقين، و أما قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية، في أنه كما لا يجوز التقليد فيها مع الغموض فيها كذلك لا يجوز فيها بالطريق الأولى لسهولتها، فباطل، مع أنه مع الفارق، ضرورة أن الأصول الاعتقادية مسائل

معدودة، بخلافها فإنها مما لا تعدّ و لا تحصى، و لا يكاد يتيسر من الاجتهاد فيها فعلا طول العمر إلا للأوحدي في كلياتها، كما لا يخفى.

فصل إذا علم المقلد اختلاف الأحياء في الفتوى مع اختلافهم في العلم و الفقاهة،

فلا بد من الرجوع إلى الأفضل إذا احتمل تعيّنه، للقطع بحجيته و الشك في حجية

______________________________

..........

______________________________

(1) الإسراء: 36.

(2) الزخرف: 23.

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 505

غيره، و لا وجه لرجوعه إلى الغير في تقليده، إلا على نحو دائر.

نعم لا بأس برجوعه إليه إذا استقل عقله بالتساوي، و جواز الرجوع إليه أيضا، أو جوّز له الأفضل بعد رجوعه إليه، هذا حال العاجز عن الاجتهاد في تعيين ما هو قضية الأدلّة في هذه المسألة.

و أمّا غيره، فقد اختلفوا في جواز تقليد المفضول و عدم جوازه، ذهب بعضهم إلى الجواز، و المعروف بين الأصحاب- على ما قيل- عدمه و هو الأقوى، للأصل، و عدم دليل على خلافه، و لا إطلاق في أدلة التقليد بعد الغضّ عن نهوضها على مشروعية أصله، لوضوح أنها إنما تكون بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم لا في كل حال، من غير تعرض أصلا لصورة معارضته بقول الفاضل، كما هو شأن سائر الطرق و الأمارات على ما لا يخفى.

و دعوى السيرة على الأخذ بفتوى أحد المخالفين في الفتوى من دون فحص عن أعلميته مع العلم بأعلمية أحدهما، ممنوعة.

و لا عسر في تقليد الأعلم، لا عليه لأخذ فتاواه من رسائله و كتبه، و لا لمقلديه لذلك أيضا، و ليس تشخيص الأعلمية بأشكل من تشخيص أصل الاجتهاد، مع أن قضية نفي العسر الاقتصار على موضع العسر، فيجب فيما لا يلزم منه عسر، فتأمل جيدا.

و قد استدلّ للمنع أيضا بوجوه:

أحدها: نقل الإجماع على تعين

تقليد الأفضل.

ثانيها: الأخبار الدالّة على ترجيحه مع المعارضة، كما في المقبولة و غيرها، أو على اختياره للحكم بين الناس، كما دلّ عليه المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام: (اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك).

ثالثها: إن قول الأفضل أقرب من غيره جزما، فيجب الأخذ به عند المعارضة عقلا.

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 506

و لا يخفى ضعفها:

أما الأول: فلقوة احتمال أن يكون وجه القول بالتعيين للكلّ أو الجلّ هو الأصل، فلا مجال لتحصيل الإجماع مع الظفر بالاتفاق، فيكون نقله موهونا، مع عدم حجية نقله و لو مع عدم وهنه.

و أما الثاني: فلأن الترجيح مع المعارضة في مقام الحكومة، لأجل رفع الخصومة التي لا تكاد ترتفع إلا به، لا يستلزم الترجيح في مقام الفتوى، كما لا يخفى.

و أمّا الثالث: فممنوع صغرى و كبرى، أما الصغرى فلأجل أن فتوى غير الأفضل ربما يكون أقرب من فتواه، لموافقته لفتوى من هو أفضل منه ممن مات، و لا يصغى إلى أن فتوى الأفضل أقرب في نفسه، فإنه لو سلم أنه كذلك إلا أنه ليس بصغرى لما ادعي عقلا من الكبرى، بداهة أن العقل لا يرى تفاوتا بين أن تكون الأقربية في الأمارة لنفسها، أو لأجل موافقتها لأمارة أخرى، كما لا يخفى.

و أما الكبرى فلأن ملاك حجية قول الغير تعبدا و لو على نحو الطريقية، لم يعلم أنه القرب من الواقع، فلعله يكون ما هو في الأفضل و غيره سيان، و لم يكن لزيادة القرب في أحدهما دخل أصلا.

نعم لو كان تمام الملاك هو القرب، كما إذا كان حجة بنظر العقل، لتعين الأقرب قطعا، فافهم.

فصل

اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي، و المعروف بين

الأصحاب الاشتراط و بين العامة عدمه، و هو خيرة الأخباريين، و بعض المجتهدين من أصحابنا، و ربما نقل تفاصيل:

منها: التفصيل بين البدوي فيشترط، و الاستمراري فلا يشترط،

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 507

و المختار ما هو المعروف بين الأصحاب، للشك في جواز تقليد الميت، و الأصل عدم جوازه، و لا مخرج عن هذا الأصل، إلا ما استدل به المجوّز على الجواز من وجوه ضعيفة.

منها: استصحاب جواز تقليده في حال حياته، و لا يذهب عليك أنه لا مجال له، لعدم بقاء موضوعه عرفا، لعدم بقاء الرّأي معه، فإنه متقوم بالحياة بنظر العرف، و إن لم يكن كذلك واقعا، حيث أن الموت عند أهله موجب لانعدام الميت و رأيه، و لا ينافي ذلك صحة استصحاب بعض أحكام حال حياته، كطهارته و نجاسته و جواز نظر زوجته إليه، فإن ذلك إنما يكون فيما لا يتقوم بحياته عرفا بحسبان بقائه ببدنه الباقي بعد موته، و إن احتمل أن يكون للحياة دخل في عروضه واقعا، و بقاء الرّأي لا بد منه في جواز التقليد قطعا، و لذا لا يجوز التقليد فيما إذا تبدّل الرّأي أو ارتفع، لمرض أو هرم إجماعا.

و بالجملة يكون انتفاء الرّأي بالموت بنظر العرف بانعدام موضوعه، و يكون حشره في القيامة إنما هو من باب إعادة المعدوم، و إن لم يكن كذلك حقيقة، لبقاء موضوعه، و هو النّفس الناطقة الباقية حال الموت لتجرده، و قد عرفت في باب الاستصحاب أن المدار في بقاء الموضوع و عدمه هو العرف، فلا يجدي بقاء النّفس عقلا في صحة الاستصحاب مع عدم مساعدة العرف عليه، و حسبان أهله أنها غير باقية و إنما تعاد

يوم القيامة بعد انعدامها، فتأمل جيدا.

لا يقال: نعم، الاعتقاد و الرّأي و إن كان يزول بالموت لانعدام موضوعه، إلا أن حدوثه في حال حياته كاف في جواز تقليده في حال موته، كما هو الحال في الرواية.

فإنّه يقال: لا شبهة في أنه لا بدّ في جوازه من بقاء الرّأي و الاعتقاد، و لذا لو زال بجنون أو تبدل و نحوهما لما جاز قطعا، كما أشير إليه آنفا. هذا بالنسبة إلى التقليد الابتدائي.

و أما الاستمراري، فربما يقال بأنه قضية استصحاب الأحكام التي قلده

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 508

فيها، فإن رأيه و إن كان مناطا لعروضها و حدوثها، إلا أنه عرفا من أسباب العروض لا من مقومات الموضوع و المعروض، و لكنه لا يخفى أنه لا يقين بالحكم شرعا سابقا، فإن جواز التقليد إن كان بحكم العقل و قضية الفطرة كما عرفت فواضح، فإنه لا يقتضي أزيد من تنجز ما أصابه من التكليف و العذر فيما أخطأ، و هو واضح. و إن كان بالنقل فكذلك، على ما هو التحقيق من أن قضية الحجية شرعا ليس إلا ذلك، لإنشاء أحكام شرعية على طبق مؤداها، فلا مجال لاستصحاب ما قلده، لعدم القطع به سابقا، إلا على ما تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب، فراجع، و لا دليل على حجية رأيه السابق في اللاحق.

و أما بناء على ما هو المعروف بينهم، من كون قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما أدت إليه من الأحكام الواقعية التكليفية أو الوضعيّة شرعا في الظاهر، فلاستصحاب ما قلده من الأحكام و إن كان مجال، بدعوى بقاء الموضوع عرفا، لأجل كون الرّأي عند أهل العرف من أسباب العروض لا من

مقومات المعروض، إلا أن الإنصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف، فإنه من المحتمل- لو لا المقطوع- أن الأحكام التقليدية عندهم أيضا ليست أحكاما لموضوعاتها بقول مطلق، بحيث عدّ من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه، بسبب تبدل الرّأي و نحوه، بل إنما كانت أحكاما لها بحسب رأيه، بحيث عدّ من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عند التبدل، و مجرد احتمال ذلك يكفي في عدم صحة استصحابها، لاعتبار إحراز بقاء الموضوع و لو عرفا، فتأمل جيدا.

هذا كله مع إمكان دعوى أنه إذا لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرّأي، بسبب الهرم أو المرض إجماعا، لم يجز في حال الموت بنحو أولى قطعا، فتأمّل.

و منها: إطلاق الآيات الدالّة على التقليد.

و فيه- مضافا إلى ما أشرنا إليه من عدم دلالتها عليه- منع إطلاقها على تقدير دلالتها، و إنما هو مسوق لبيان أصل تشريعه كما لا يخفى. و منه انقدح حال إطلاق ما دلّ من الروايات على التقليد، مع إمكان دعوى الانسباق إلى حال الحياة

______________________________

..........

قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، ج 2، ص: 509

فيها.

و منها: دعوى أنّه لا دليل على التقليد إلا دليل الانسداد، و قضيته جواز تقليد الميت كالحي بلا تفاوت بينهما أصلا، كما لا يخفى.

و فيه أنه لا يكاد تصل النوبة إليه، لما عرفت من دليل العقل و النقل عليه.

و منها: دعوى السيرة على البقاء، فإن المعلوم من أصحاب الأئمّة عليهم السلام عدم رجوعهم عما أخذوه تقليدا بعد موت المفتي.

و فيه منع السيرة فيما هو محل الكلام، و أصحابهم عليهم السلام إنما لم يرجعوا عما أخذوه من الأحكام لأجل أنهم غالبا إنّما كانوا يأخذونها ممن ينقلها عنهم عليهم السلام بلا واسطة أحد، أو

معها من دون دخل رأي الناقل فيه أصلا، و هو ليس بتقليد كما لا يخفى، و لم يعلم إلى الآن حال من تعبّد بقول غيره و رأيه، أنه كان قد رجع أو لم يرجع بعد موته.

[و منها: غير ذلك مما لا يليق بأن يسطر أو يذكر].

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، قاعدة لا ضرر و الاجتهاد و التقليد (الحاشية على الكفاية)، در يك جلد، كتابفروشى انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.